• الاقتصاد السعودي في اختبار حقيقي لمواجهة الأزمات الخارجية

    03/10/2009

    هل كان نمو 2008 استثنائيا.. وما المتوقع بنهاية 2009؟  الاقتصاد السعودي في اختبار حقيقي لمواجهة الأزمات الخارجية 
     
     



     
     
     

    إن تحليل أداء الاقتصاد السعودي الفعلي لعام 2008 والمتوقع لعام 2009 يقتضي إلقاء الضوء على تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السعودي، هذه الأزمة التي أخذت تتفاقم منذ آب (أغسطس) 2007 بشكل مخيف، حيث ما زالت تداعياتها مستمرة مع وجود اختلاف بين المؤسسات الاقتصادية حول كون الأسوأ في هذه الأزمة قد مضى أو أن الأسوأ منها لم يأت بعد.
    ولكن دون أدنى شك فإن لهذه الأزمة تداعيات سلبية وقوية على الاقتصاديات المتقدمة والصاعدة (الناشئة) والنامية على حد سواء، حيث أكد البنك الدولي أن الاقتصاد الأمريكي واقتصاد الأوروبي قد دخلا مرحلة الكساد في الربع الثالث من عام 2008.
    كما أن الاقتصاديات الناشئة وعلى رأسها الصين والهند وروسيا قد دخلت فعلاً مرحلة الركود الاقتصادي في نهاية عام 2008 (الرسم البياني 1) كل ذلك يعكس مدى عمق تأثير تداعيات الأزمة في الاقتصاد العالمي برمته، فلم يعد هناك أي اقتصاد في منأى من تأثير هذه الأزمة سواء أكان هذا التأثير مباشرا أو غير مباشر.
    ويتوقف تأثير هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات المالية أو الاقتصادية العالمية في أي اقتصاد على درجة انفتاح هذا الاقتصاد على الاقتصاد العالمي ومدى اندماجه فيه، وكذلك على الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة لتفادي تأثير هذه الأزمات أو على الأقل الحد من تأثيرها في اقتصادها.أهم أوجه تأثير الأزمة المالية في الاقتصاد السعودي
    يتمتع الاقتصاد السعودي بدرجة عالية من الانفتاح على الاقتصاد العالمي حيث لا توجد قيود تذكر على حركة دخول وخروج السلع ورؤوس الأموال من وإلى المملكة، كما أنه لا توجد قيود على المعاملات في سوق الصرف الأجنبي.
    هذا إضافة إلى أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية زاد من انفتاح الاقتصاد السعودي, حيث أصبحت معظم أسواق وقطاعات الاقتصاد مفتوحة أمام المنافسة (الداخلية والخارجية) والاستثمار الأجنبي.
    وعلى ضوء ما تقدم أعلاه يمكن القول إنه نتيجة لما يتمتع به الاقتصاد السعودي من درجة عالية من الانفتاح الاقتصادي فإن هناك الكثير من العوامل الخارجية النقدية والمالية تؤثر في النشاط الاقتصادي والأسواق المالية والمستوى العام للأسعار في المملكة, وذلك مثل أسعار الفائدة الأجنبية وخاصة سعر الفائدة على الدولار والتضخم العالمي وأسعار البترول وتقلبات أسعار صرف العملات الرئيسية وخاصة تقلبات سعر صرف الدولار.أسعار البترول عام 2009 وآثارها في الاقتصاد الوطني
    يؤكد كثير من الاقتصاديين والمحليين أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة ركود اقتصادي، حيث يتوقع أن تمتد هذه المرحلة لتغطي عام 2010.
    يذكر أن الركود الاقتصادي الذي يعيشه الاقتصاد العالمي أدى إلى انخفاض الطلب العالمي بشكل ملحوظ الأمر الذي انعكس سلباً على السوق البترولية، حيث تراجع سعر النفط دون مستوى 40 دولارا للبرميل في بداية كانون الثاني (يناير) 2009 لينخفض بأكثر من 72 في المائة عنه في تموز (يوليو) 2008، حيث بلغ سعر البرميل ذروته ليصل إلى مستوى 147 دولارا للبرميل، الأمر الذي دفع منظمة أوبك إلى تخفيض الإنتاج بأربعة ملايين برميل خلال شهرين فقط.
    إن انخفاض أسعار البترول وإنتاج المملكة من البترول سينعكس سلباً على نمو القطاع البترولي في المملكة، حيث يتوقع أن ينكمش هذا القطاع مما يؤدي حتماً إلى تباطؤ ملحوظ في نمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2009 ذلك لأن قطاع البترول لا يزال المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في المملكة.مستقبل الصادرات غير البترولية في ظل الأزمة المالية
    إن ركود الاقتصاد العالمي سيؤثر سلباً في نمو الصادرات غير البترولية للمملكة وعلى رأسها الصادرات من المنتجات البتركيماوية بعد أن شهدت هذه الصادرات غير البترولية نموا متسارعا منذ بداية العقد الحالي.
    هذا الوضع قد ينعكس سلباً على أرباح الكثير من الشركات التي تعتمد على تصدير معظم منتجاتها أو نسبة من منتجاتها, وأخيراً إن ركود الاقتصاد العالمي قد يؤدي إلى الحد من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة.
    وعلى ضوء ما تقدم أعلاه يمكن القول إن الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي، قد تلقي بظلالها على أداء الاقتصاد السعودي المتوقع لعام 2009، حيث يتوقع أن تبدو المؤشرات الاقتصادية الرئيسية لعام 2009 متواضعة إذا ما قورنت بالمؤشرات الاقتصادية للسنوات القليلة الماضية. رسم بياني (2)، (3).
     
     
     

     
     
     أداء الاقتصاد السعودي عام 2008
    كان أداء الاقتصاد السعودي عام 2008 استثنائيا نتيجة للنمو القياسي الذي حققه قطاع البترول، حيث سجلت أسعار البترول في هذا العام أرقاما قياسية لم تشهدها السوق البترولية من قبل، كما شهد إنتاج المملكة من البترول زيادات ملحوظة خلال الأعوام القليلة الماضية، نتيجة لذلك حقق قطاع البترول معدل نمو اسمي بلغ 34.9 في المائة ونمو حقيقي بلغ معدله 5.1 في المائة, الأمر الذي أدى بالاقتصاد السعودي إلى أن يحقق معدلات نمو مرتفعة حيث سجل إجمالي الناتج المحلي معدل نمو اسمي بلغ 22 في المائة ومعدل نمو حقيقي بلغ 4.2 في المائة في عام 2008.
    كما حقق إجمالي الناتج المحلي غير النفطي معدل نمو اسمي مرتفع بلغ 6.3 في المائة في عام 2008، يمكن أن يعزى هذا النمو المرتفع لإجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى ما حققه القطاع الخاص من معدل نمو اسمي مرتفع بلغ 8 في المائة في العام نفسه.
    هذا إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم, أما فيما يتعلق بالنمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي غير النفطي في عام 2008 فقد حقق تراجعا عما كان عليه منذ بداية العقد الحالي, حيث سجل معدل نمو بلغ 3.9 في المائة. يعزى هذا التراجع في نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى انخفاض النمو الحقيقي للقطاع الخاص، حيث سجل معدل نمو حقيقي بلغ 4.3 في المائة في العام نفسه مقارنة بمعدل نمو بلغ 5.9 في المائة في عام 2007. إن تراجع النمو الحقيقي للقطاع الخاص يعتبر مسألة مثيرة للقلق ذلك لأن نمو الإنفاق الحكومي والسيولة المحلية ممثلة في عرض النقود ن3.
    يعتبران محفزين لنمو القطاع الخاص في السعودية، حيث حقق كل من الإنفاق الحكومي والسيولة المحلية معدلات نمو مرتفعة بلغت 9.38 في المائة و14 في المائة على التوالي (الرسم البياني رقم 4).
    وفي المقابل حقق القطاع الخاص نموا اسميا مرتفعا بلغت نسبته 8 في المائة في عام 2008، حيث يعزى هذا النمو المرتفع إلى النمو المتسارع في السيولة المحلية والإنفاق الحكومي وإلى ارتفاع التضخم خلال العام نفسه.
    إن النمو الحقيقي الذي يحققه الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي منذ بداية العقد الجاري سيسهم في توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السعودي ويزيد من مرونة جهاز إنتاجه, الأمر الذي يسهم في زيادة العرض الكلي من السلع والخدمات في الاقتصاد والذي بدوره حقق معدل نمو بلغ 12.5 في المائة في عام 2008.
    ومن المتوقع أن يتباطأ نمو العرض الكلي من السلع والخدمات في عام 2009.الأداء المتوقع للاقتصاد السعودي عام 2009
    كما أسلفنا أعلاه يتوقع كثير من الاقتصاديين والمحللين أن الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد السعودي يتوقع أن تمتد آثارها لتشمل مدة زمنية في المستقبل يصعب تحديدها، والجدير بالذكر أن الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي تعد أخطر الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي منذ عقد الثلاثينيات، وتأتي خطورة هذه الأزمة كونها انطلقت في الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل نموه محركاً لنمو الاقتصاد العالمي، لقد أخذت تداعيات هذه الأزمة تتفاقم منذ آب (أغسطس) 2007 بشكل مخيف وما زالت الأزمة مستمرة مع وجود اختلاف بين المؤسسات الاقتصادية حول كون الأسوأ في هذه الأزمة قد مضى أو أن الأسوأ منها لم يأت بعد، لذلك يمكن القول إن هناك اختلافا واضحا بين الاقتصاديين على الأمد الذي ستستغرقه هذه الأزمة لكن دون أدنى شك فإن لهذه الأزمة تداعيات وخيمة على الاقتصاد العالمي، لذلك يتوقع أن تبدو المؤشرات الاقتصادية الرئيسية للاقتصاد السعودي في عام 2009 متواضعة إذا ما قورنت بالسنوات القليلة الماضية، حيث يتوقع أن يشهد الاقتصاد السعودي انكماشاً بمعدل 17.5 في المائة حسب المعيار الاسمي لإجمالي الناتج المحلي في عام 2009 وذلك في أول تراجع له منذ عام 2001 (رسم بياني 2)، بصورة عامة يتوقع أن ينكمش الاقتصاد السعودي بما يعادل 306.9 مليار ريال.
     
     
     

     
     
     
    هذا الانكماش يعزى بشكل رئيسي إلى الانكماش المتوقع لقطاع البترول الذي يتوقع أن يبلغ 31 في المائة وذلك بسبب الانخفاض الحاد في أسعار البترول والانخفاض الملحوظ في إنتاج المملكة من البترول.
    هذا إضافة إلى التراجع المتوقع في النمو الاسمي للقطاع الخاص الذي من المتوقع أن يحقق معدل نمو اسمي قدره 4.5 في المائة في هذا العام مقارنة بمعدل نمو بلغ 8 في المائة في عام 2008 (رسم بياني 2).
    كما أنه من المتوقع أن يشهد إجمالي الناتج المحلي الاسمي غير النفطي تراجعا في نموه عام 2009، حيث من المتوقع أن يسجل معدل نمو يبلغ 3.8 في المائة في هذا العام مقارنة بمعدل نمو بلغ 6.3 في المائة في عام 2008.
    هذا التراجع يمكن أن يعزى بشكل رئيسي إلى الانخفاض الحاد في نمو القطاع الخاص الذي من المتوقع أن يحقق معدل نمو اسمي قدره 4.5 في المائة في هذا العام مقارنة بمعدل نمو بلغ 8 في المائة في عام 2008م.
    أما فيما يتعلق بالنمو الحقيقي للاقتصاد السعودي فإنه من المتوقع أن يسجل انخفاضا ملحوظا مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، حيث من المتوقع أن يحقق إجمالي الناتج المحلي الحقيقي معدل نمو يقدر بـ 1.5 في المائة في هذا العام مقارنة بمعدل نمو بلغ 4.2 في المائة في عام 2008.
    يعزى هذا الانخفاض المتوقع في النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي إلى الانخفاض المتوقع في النمو الحقيقي لقطاع البترول والقطاع الخاص اللذين من المتوقع أن يحققان معدل نمو يقدر بـ 2.8 في المائة و3.8 في المائة على التوالي (رسم بياني 2)، يمكن أن يعزى تراجع النمو الاسمي والحقيقي للقطاع الخاص في عام 2009 إلى التراجع المتوقع في الإنفاق الحكومي والسيولة المحلية هذا إضافة إلى أن الأزمة المالية العالمية أثرت وستؤثر سلباً في توقعات رجال الأعمال ما يؤدي إلى الحد من التوسع في استثمارات القطاع الخاص.
    وفي الختام يمكن القول إن أداء الاقتصاد السعودي في عام 2008 كان استثنائيا وإنه من المتوقع أن يشهد تباطؤا ملحوظا في أدائه لعام 2009 الأمر الذي يعكس تأثير الأزمة المالية العالمية.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية